غزل نزار قبّاني
فكلُّ السنوات تبدأ بكِ
وتنتهي فيكِ
سأكونُ مُُضحِكاً لو فعلتُ ذلك
لأنّكِ تسكنينَ الزمنَ كلَّهْ
وتسيطرينَ على مداخل الوقتْ
إنَّ ولائي لكِ لم يتغيَّرْ
كنتِ سلطانتي في العام الذي مضى
وستبقين سلطانتي في العام الذي سيأتي
ولا أفكّرُ في إقصائِكِ عن السُلْطَهْ
فأنا مقتنعٌ
بعدالة الّلون الأسود في عينيكِ الواسعتينْ
وبطريقتكِ البَدَويَّةِ في ممارسة الحُبّ
ولا أجدُ ضرورةً للصراخ بنَبْرَةٍ مسرحيَّة
فالمُسمَّى لا يحتاجُ إلى تَسْمِيَهة
والمُؤكَّدُ لا يحتاجُ إلى تأكيدْ
إنني لا أؤمنُ بجدوى الفنِّ الاستعراضيّْ
ولا يعنيني أن أجعلَ قصّتنا
مادة للعلاقات العامّة
سأكونُ غبيّاً
لو وقفتُ فوق حَجَرٍ
أو فوقَ غيمَة
وكشفتُ جميعَ أوراقي
فهذا لا يضيفُ إلى عينيْكِ بُعْداً ثالثاً
ولا يُضيف إلى جُنُوني دليلاً جديداً
إنني أُفضِّلُ أن أسْتَبْقيكِ في جَسَدي
طفلاً مستحيلَ الولادَة
وطعنةً سِريّة لا يشعُرُ بها أحدٌ غيري
لا تبحثي عنّي ليلةَ رأسِ السَنَة
فلن أكونَ معكِ
ولن أكونَ في أيِّ مكانْ
إنّني لا أشعرُ بالرغبة في الموت مشنوقاً
في أحدِ مطاعم الدّرجة الأُولى
حيثُ الحبُّ طَبَقٌ من الحساء البارد لا يقربُهُ أَحَدْ
وحيثُ الأغبياءُ يوصونَ على ابتساماتهم
قَبْلَ شهرينِ من تاريخ التّسليمْ
لا تنتظريني في القاعات التي تنتحرُ بموسيقى الجازْ
فليس باستطاعتي الدخولُ في هذا الفرح الكيميائيّْ
حيثُ النبيذُ هو الحاكمُ بأمرهْ
والطبلُ هو سيِّدُ المتكلِّمينْ
فلقد شُفيتُ من الحماقات التي كانتْ تنتابني كلَّ عام
وأعلنتُ لكلِّ السيداتِ المتحفّزاتِ للرقصِ معي
أنَّ جسدي لم يَعُدْ معروضاً للإيجارْ
وأنَّ فمي ليس جمعيَّة
تُوَزِّعُ على الجميلات أكياسَ الغَزَل المُصْطَنعْ
والمجاملاتِ الفارغَة
إنّني لم أعُدْ قادراً على ممارسة الكَذِب الأبيض
وتقديمِ المزيد من التنازلاتِ اللغويَّة
والعاطفيَّة
اقبلي اعتذاري يا سيّدتي
فهذه ليلةُ تأميم العواطفْ
وأنا أرفضُ تأميمَ حبّي لكِ
أرفضُ أن أتخلَّى عن أسراري الصغيرَة
لأجعلَكِ مُلْصَقاً على حائطْ
فهذه ليلةُ الوجوهِ المتشابهة
والتفاهاتِ المتشابِهَة
ولا تُشبهينَ إلا الشِّعْرْ
لن أكونَ معكِ هذه الليلَة
ولن أكونَ في أيِّ مكانْ
فقد اشتريتُ مراكبَ ذاتَ أَشْرعةٍ بَنَفسجِيَّة
وقطاراتٍ لا تتوقَّف إلاّ في محطّة عينيكِ
وطائراتٍ من الوَرَقِ تطير بقوة الحُبِّ وحدَهْ
واشتريتُ وَرَقاً وأقلاماً ملوَّنة
وقرَّرتُ أن أسهَر مع طفولتي
ولا تُشبهينَ إلا الشِّعْر